“فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا ألاَّ نظلم عندك أيها الملك”، كان هذا جزءُُ من الخطاب الذي تحدث به جعفر بن أبي طالب لملك الحبشة بعد أن اشتد بهم العذاب في مكة ، فما كان إلا أن أمرهم رسول الله ﷺ بالهجرة إلي الحبشة وقال أن فيها ملك لا يظلم عنده أحد ، وكان هذا ليمثل اللقاء الأول ، وفي نظري الأهم بين الإسلام في مهده والمسيحية عند المؤمنين برسالة السلام والمحبة رسالة عيسي بن مريم كلمة الله إليها وإلي البشرية جمعاء ، وعندما حاول عمرو بن العاص أن يثني ملك الحبشة عن حماية المهاجرين من المسلمين ، وهذا هو الهدف الذي من أجله أرسلته قريش محملاً بالهدايا للملك وأساقفته وحاشيته وبطانته هو وَعَبَد الله بن الربيعه ، فأراد أن يوقع بينهم وكان من الدواهي ، وقال إنهم يقولون في المسيح قولاً لا يرضيك ، فكان رد جعفر صدر سورة مريم إلي أن وصل إلي قوله تعالي ..
بسم الله الرحمن الرحيم “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا (16) فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا(17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا(18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (19) قَالَتْ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا (20) قَالَ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ۖ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ۚ وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا (21)” صدق الله العظيم .
فبكي النجاشي وكل أساقفته وبطانته ، وكانت هذه الآيات العظيمة هي المنجية للمهاجرين الأوائل من مكر ودهاء عمرو بن العاص ، وليكن ذلك اللقاء العظيم بمثابة توثيق العلاقة في المهد بين المسلمين الأوائل والملك المسيحي المؤمن ، فبعد أن سمع النجاشي قول القران في المسيح وكان لا يزال ديناً وليداً ، كان رده مفحماً علي وفد قريش فقال : “إن هذا والذي جاء به موسى (وفي رواية: عيسى) ليخرج من مشكاة واحدة والله لم اسلمهم لكم يا عمرو بجبل من ذهب ، لأنه يُؤْمِن بالله ونبيه المسيح عيسي بن مريم عليه السلام، ورد عليهم هداياهم ولم يسلم المسلمين الذين احتموا بإيمانه وعهده مع الله والمسيح علي الإيمان بكلامه ورسالته ، قبل أن يحتموا ببلاده وملكه.
كان هذا أول لقاء بين الإسلام والمسيحية في التاريخ ، وبعد أن مكن الله لرسالته في الأرض شاء القدر أن يكون عمرو بن العاص علي رأس فتح مصر بعد أن انتشر الإسلام في بقاع الدنيا مؤكداً علي رسالات أنبياء الله من آدم حتي عيسي ، و كان هذا وقت رد الجميل إلي المسيحية فدخل عمرو بن العاص مصر ولم يكن إلا مسانداً لمسيحي مصر وعلي رأسهم البطريرك بنيامين الذي رد إليه سلطته كرد للجميل الذي طوق به ملك الحبشة ممثلاً لتعاليم الله و المسيح ورسالته السمحة رقاب المهاجرين الأوائل من المسلمين ، وكان عمرو شاهداً علي ذلك فما كان منه إلا أنه راعي المسيحين ونصرهم ورد إليهم سلطتهم بعد اضطهاد الرومان لهم علي أرض الكنانة مصر .
ونحن في تلك الأيام نحتفل بذكري ميلاد السيد المسيح عليه السلام الذي جاء بالمحبة والإنسانية لتعم الأرض من أقصاها إلي أقصاها و أحيا الموتي وشفا الأعمي والأبرص بقدرة الله ، و كان وصف المسيح عليه السلام نفسه بأنه وديع متواضع الفؤاد ، وقال إن الوداعة مفتاح السماء فلا يدخلها غير الودعاء، رسول ليس بينه وبين نبينا محمد ﷺ نبي وأرسلهم الله إلي الأرض ومن قبلهم كافةأنبياءه ورسله إلي البشر جميعاً لينشروا رسالة السلام والإخاء والمحبة ، فالله محبة ، الخير محبة ، السلام محبة .
ففي سيرة نبينا الكريم عن عُبادة بن الصامت رضي اللهُ عنهُ عن النبي ﷺ قال من شهد أن لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريك لهُ وأن مُحمدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وأن عيسى عبدُ الله ورسُولُهُ وكلمتُهُ ألقاها إلى مريم ورُوحٌ منهُ والجنة حق والنار حق أدخلهُ اللهُ الجنة على ما كان من العمل . رواه البخاري ومسلم . وفي رواية : من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء .
نسأل رب موسي وعيسي ومحمد صلوات الله عليهم وعلي رسله أجمعين في بداية العام الجديد أن يعُم الأمن والسلام بقاع الدنيا وأن يجتمع الناس علي تعاليم الله التي أرسلها علي كل رسله لنحفظ بها أنفسنا وبلادنا وما وهبنا الله ، ويجب علينا أن نتعلم شكر الله علي كل نعمه وأهمها نعمة الأمن والأمان في بلادنا و أهلينا ، ونسأل الله أن يحفظ مصرنا بمسلميها ومسيحييها ، ويجب أن يدرك كل مصري أن بلادنا هي بلاد المحبة والطمأنينة أرض الأنبياء فمصر بلد يعيش فينا .. كل عام وكل المصريين بألف خير وسلام.
حفظ الله الوطن
شعباً .. وجيشاً .. وتراباً