مقالات

أليس والفيس

و.ش.ع

بقلم :الدكتورة نفيسة محمد عبد الفتاح

لا اذكر تحديدا كم كان عمري حين فتنت بهذه الصغيرة الشقراء (أليس في بلاد العجائب ) كانت حلقات تذاع على القناة الرئيسية في التليفزيون المصري ، …..أليس تلك الفتاة الرقيقة الحالمة التي عرفت في منزلها جحرا سحريا صغيرا تنفذ منه مع ارنبها الذي لا يفارقها وهو رفيقها الوحيد خلال الرحلة ،… وحينما تمر أليس من هذا الجحر تنسلخ من عالمها الواقعي إلى عالم افتراضي عبارة عن مملكة كبيرة فيها قصور وحدائق وغابات وانهار وأشجار غير أن سكان هذه المملكة من أوراق اللعب ( البوكر ) الملك والملكة والحاشية وسكان القصر ……، وفي كل يوم تعبر أليس من جحرها الصغير الي العالم الخيالي لتعيش مع أصدقائها االافتراضيبن أحداثا معقولة وغير معقولة تبكي وتضحك وتتألم ،، تتحول الى كائن عملاق أو إلى مخلوق ضعيف صغير تحاور الطير والحيوان وتصارع الكائنات العجيبة وحين تقترب الأحداث من ذروتها أفاجأ بعودة اليس من الجحر الي غرفتها مجيبة لصوت والدتها و تستمع إلى حديثها وكأن شيئا لم يكن وفي المرة التالية تدخل أليس الي الجحر مرة أخري لترى ماذا فعل اصدقاؤها وكيف انتهت أحداثهم وتغيرت أحوالهم وحلت مشكلاتهم أم تعقدت أكثر …..

حتى الآن لم أنس أليس فكم كانت تخطف عقلي ومشاعري، بعينيها الواسعتين وفمها المنمنم وقبعتها ذات الحلية الحمراء ، كنت ادفعها دفعا للدخول الي الجحر لأرى معها ذلك العالم العجيب الغريب الذي صارت هذه الصغيرة هي بطلته ومحور الأحداث فيه أرى بعينيها العجائب وأتخيلني في مكانها وأغضب لحظة تناديها والدتها لأنها ستعود إلى منزلها ، وتتركني أتحرق شوقا لها ولعالمها .

ويبدو أنى اعجابي باليس لم يمحه الزمن البعيد من الطفولة حتى عتبات الكهولة فتحضرني بكل تفاصيلها حين أدخل من هذا الجحر المسمى الفيسبوك ……. ،مملكة كبيرة أيضا فيها حدائق تتدلى منها عناقيد الورود وانهيارات وانفجارات تتطاير معها أحلام البشر، سكانها أيقونات تذرف أوراقا وصورا وحكايات وكل صورة أو رسالة تعلن حلقة جديدة من مسلسل الحياة وسيناريوهات القدر تنطوي هذه القصص حين أطوي صفحتها وتنادينى شؤون الحياة ، وعند الدخول مرة أخري أجد عالما موارا من قلوب تتطاير ودموع تذرف وأكف تربت أعجابا أو مواساة ودون شعور أجدني بدوري أناول القلوب والدموع والضحكات ……
وأتحسس الأيقونات …… أبحث عنها مع كل دخول جديد لهذا الجحر أقرأ قصصها المستورة وأسائل الصورة إلام وصلت هل انتهت المعاناة أم ما زالت المواجع تؤرق الجفون وتقض المضاجع هل زالت الآهات وهلت الراحات أم ما زال باب الجرح مشرعا .

قد القي بنفسي في خضم البحر الهائج وأشارك بفصل من قصتي وأسعد أيما سعادة حين تصلني عبر الاثير إشارة أو علامة وكأنها في معناها العميق طوق نجاة يخترق مجاهل الغيب ليستقر عندي يواسي ويرفق ويشارك وحين أقرر الاعتزال وترك الساحة تأخذني أطراف أناملي دون وعي لهذا الجحر من جديد ؟
كنت استمتع بأليس ولم أسأل نفسي يوما لماذا تدخل الجحر وماذا يمثل لها العالم الخيالي أو ماذا تشبع لديها تلك الصداقات الوهمية . لكن لاني صرت أكبر من أليس بدأت أسأل نفسي هذه الأسئلة وأكثر ؟
لماذا تجرني أناملي إلى هذا الجحر ، وماذا تعني لى هذه الأيقونات ؟ هل اختزل معني الصداقة في زماني في حفنة من الصور والكلمات ، أم أننا صرنا نعاني من عجز في التواصل المادي فلم نعد نشعر بمن حولنا أو يشعر بنا ؟ نعم افتقدنا الاحساس وربما فقدناه فرحنا نفتش بين العلامات والإشارات عمن يشعر بآلامنا ويتفاعل معها ؟ هل فشلت الصراحة في أن تجد طريقها إلي عالمنا وكلت وسائلها في حل مشكلاتنا فصرنا نبحث عن ساحة واسعة تصرخ فيها بحرية دون خوف من لوم أو ترصد .هل نحتاج للتواصل مع أناس لا نعرف عنهم الكثير حتي نبغضهم ولا يعرفون عنا الكثير حتي نخشاهم ؟
لك الله يا أليس ……
نفيسة محمد عبد الفتاح

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

شاهد أيضاً
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: