أخبارمنوعات

السُلطان مُحمَّد الثاني وتمرُّد الإنكشاريَّة وعودة السُلطان مُراد إلى الحُكم

و.ش.ع

القاهرة_ د. مختار القاضي 

بعد القضاء على الحُروفيَّة ودفع الصليبيين، حتَّمت الأحداث السياسيَّة المُستجدَّة عودة السُلطان مُراد إلى العمل السياسي مرَّة أُخرى، ويبدو أنَّ لِذلك علاقة – وفق إحدى الروايات – بِالمدى الذي وصلت إليه العلاقة بين السُلطان مُحمَّد الثاني والصدر الأعظم خليل باشا الجندرلي من توتُّر، بِالإضافة لِتجدُّد الأخطار الأوروپيَّة أو بِسبب خطأ وقع من السُلطان الفتى وأثار غضب الإنكشاريَّة.

فتقول إحدى الروايات أنَّ العلاقة بين الصدر الأعظم والسُلطان مُحمَّد تفجَّرت على الأرض بِسبب مسألة الحُرُوفيين الذين قرَّبهم السُلطان إليه، ممَّا أثار حفيظة الصدر الأعظم كما أُسلف.

 وممَّا زاد العلاقة تأجُجًا، الاختلاف في وجهات النظر بِشأن الصُلح الذي عقدته الدولة العُثمانيَّة مع جُمهُوريَّة البُندُقيَّة والمُماثل في بُنُوده لِلصُلح الذي عُقد في سنة 833هـ المُوافقة لِسنة 1430م، ما دفع الصدر الأعظم إلى تحريك تمرُّدٍ من جانب الإنكشاريَّة المُناوئين لِلسُلطان، ثُمَّ استُدعي مُراد الثاني لِلعودة مُجددًا لِتولِّي السُلطة.

 وبِحسب الرواية الأُخرى فإنَّ السُلطان مُحمَّد لمَّا أمسك بِزِمام أُمُور الدولة ضرب السكَّة الجديدة باسمه، وخفَّض زنة الآقچة من 5.75 إلى 5.25، ما أضرَّ بِالجُند وأثَّر بِالسُوق.

واتفق أنَّهُ وقع حريقٌ هائل بِأدرنة في تلك الأيَّام، فاحترق قسمٌ مُهمٌّ من المدينة والأسواق، فقام الإنكشاريَّة، الذين لم يكونوا راضين عن وضع الآقچة، بِالتمرُّد، فهجموا على سراي شهاب الدين شاهين باشا الخادم ونهبوها، فهرب هو بِمشقَّةٍ إلى السراي السُلطانيَّة ونجا.

واجتمعت الإنكشاريَّة في تلَّة “بوجوق تپَّه” مُقابل السراي المذكورة، وطلبوا زيادة مُرتَّباتهم، فأُجيبوا إلى ذلك، وضُمَّ إلى مُرتَّب كُل واحدٍ منهم نصف آقچة، فسكنت فتنتهم.

 رُغم ذلك، أبدى الإنكشاريُّون ازدراءً بِسُلطانهم الصغير، ومالوا إلى أبيه، فاقتنع أركان الدولة، وعلى رأسهم الصدر الأعظم خليل باشا الجندرلي، بِألَّا حل لِلمسألة سوى ارتقاء مُراد الثاني لِلعرش مرَّةً أُخرى كي لا تستمر هذه الأزمة، فأرسل وغيره من الوُزراء دعوةً إلى مُراد الثاني لِلحُضُور وترجُّوه رجاءً حتَّى قبل أن يعود بعد تردُّدٍ طويل، وخدع خليل باشا السُلطان مُحمَّد عندما اقترح عليه أن يعرض السلطنة على والده تطييبًا لِقلبه وخاطره،

وأكَّد عليه أنَّ الأخير لن يقبلها وأنَّهُ سيُفضِّل البقاء في عُزلته، وأنَّ ذلك سيكون سببًا لازدياد حُبِّ الوالد لِابنه وتقديره إيَّاه، فصدَّق الفتى هذا الكلام ورتَّب مجلسًا عاليًا محفوفًا بِالوُزراء والوُكلاء والأُمراء، واستقبل فيه والده ما أن وصل، فقبَّل يده والتمس منه أن يجلس على تخت المُلك ويقبل بِالسلطنة ويعود هو إلى إقطاعه مغنيسية، فلم يتردَّد مُراد في القُبُول، ودعا لِولده وأعاده إلى مغنيسية، وعيَّن صاروچه باشا وزيرًا له، فلم يجد السُلطان مُحمَّد بدًّا من الامتثال لِأمر أبيه، وعلم أنَّ هذا من سعي وتدبير خليل باشا، فأسرَّها في نفسه حتَّى حين. ومن الجدير بِالذِكر أنَّ هذه الحركة كانت أوَّل فتنةٍ يُشعلها الإنكشاريَّة في الدولة العُثمانيَّة.

سكَّة نقديَّة ضُربت باسم السُلطان مُحمَّد بن مُراد. يُروى أنَّ تخفيض السُلطان زنة الآقچة كانت سببًا في تمرُّد الإنكشاريَّة على حُكمه.

فترة ما بين السلطنتين

مُنمنمة عُثمانيَّة تُصوِّرُ آقنجيًّا يجُرُّ ورائهُ فارسًا صليبيًّا بعد أن ربطه بِأُنشُوطة خِلال معركة قوصوه. كانت هذه المعركة أولى معارك مُحمَّد الثاني.

لا يُعرف الكثير عن حياة مُحمَّد الثاني في فترة ما بين سلطنتيه التي أمضى مُعظمها في مغنيسية، وجُلَّ ما يُعرف أنَّهُ لم يُشارك في حملة والده على المورة سنة 850هـ المُوافقة لِسنة 1446م، وأنَّهُ رُزق بِمولودٍ ذكرٍ سمَّاه بايزيد، من زوجته أمينة گُلبهار خاتون الأرناؤوطيَّة، سنة 851هـ المُوافقة لأواخر سنة 1447م، وقد قُدِّر لهذا الابن أن يكون السُلطان التالي على عرش الدولة العُثمانيَّة.

وفي سنة 1448م شارك مُحمَّد الثاني في أوَّل حملة عسكريَّة مع والده مُراد، الذي استصحبه لِقتال إسكندر بك العاصي، لكنَّ الحملة لم تُصب النجاح المأمول، بِسبب هُرُوب إسكندر بك واعتصامه في الجبال، ولم يتعقَّبه السُلطان مُراد ووليّ عهده بِسبب ما بلغه من عودة الاضطرابات مع بلاد المجر.

فقد أغار يُوحنَّا هونياد على بلاد الصرب انتقامًا من العُثمانيين لِيُعيد لِنفسه بعض ما فقد من الشرف في واقعة وارنة، فسار إليه السُلطان مُراد ومعهُ وليُّ عهده مُحمَّد، الذي جعلهُ على رأس العساكر الأناضوليَّة، وأنزلا بِهونياد هزيمةً مُدوِّيةً في معركةٍ جرت في سهل قوصوه (كوسوڤو)، وكانت تلك أوَّلُ وقعةٍ حربيَّةٍ يخوضها الشاهزاده الشاب، البالغ من العُمر نحو 16 ربيعًا.

وفي السنة التالية، تزوَّج مُحمَّد الثاني مُكرَّمة خاتون بنت سُليمان بك أمير ذي القدريَّة، بعد أن خطبها له والده لِأغراضٍ سياسيَّة.

طبعة خشبيَّة تُصوِّرُ حصار العُثمانيين بِقيادة السُلطان مُراد لِآقچة حصار سنة 854هـ المُوافقة لِسنة 1450م.

خِلال هذه الفترة أيضًا، سمح مُحمَّد الثاني لِبعض البحَّارة العُثمانيين التابعين له بِالإغارة على سُفن البنادقة لِإلهائهم عن تقديم العون لِإسكندر بك، الذي كان دائم السعي لِكسب تأييدهم في صراعه مع السلطنة العُثمانيَّة.

وفي سنة 852هـ المُوافقة لِسنتيّ 1448 و1449م، ضرب الشاهزاده السكَّة بِاسمه على النمط السُلجُوقي، وفي شهر آب (أغسطس) أو أيلول (سپتمبر) 1449م تُوفيت والدته خديجة هُما خاتون.

وفي 2 ربيع الآخر 854هـ المُوافق فيه 14 أيَّار (مايو) 1450م، شارك مُحمَّد الثاني أباه السُلطان في حصار مدينة آقچة حصار في مُحاولةٍ لِإنهاء عصيان إسكندر بك.[ِ 7] دام الحصار العُثماني لِلمدينة المذكورة خمسة أشهر دون أن تسقط بِيد العُثمانيين، ولعلَّ سبب ذلك هو: موقع المدينة المُستحكم، إذ كانت تقع على تلَّةٍ مُرتفعة، وضعف الجُيُوش العُثمانيَّة التي أنهكتها الحُرُوب المُتواصلة، وقُرب حُلُول فصل الشتاء، كما وردت أنباء تُفيد باستعداد القُوَّات المجريَّة لِلقيام بِهُجُومٍ جديدٍ على الأراضي العُثمانيَّة.

 لِذلك، عرض السُلطان مُراد الصُلح على إسكندر بك مُقابل الاعتراف به أميرًا على بلاد الأرناؤوط لِقاء جزيةٍ سنويَّةٍ يدفعها لِلدولة العُثمانيَّة. لكنَّ إسكندر بك رفض عرض الصُلح، على الرُغم من أنَّهُ كان يُعاني من انفضاض زُعماء القبائل من حوله بِسبب سياسته المركزيَّة، كما لم ينجح في كسب تأييد البنادقة، فاضطرَّ مُراد الثاني أن يرفع الحصار في أواخر رمضان المُوافق لِأواخر تشرين الأوَّل (أكتوبر)، وعاد إلى أدرنة عاصمة ممالكه لِيُجهِّز جُيُوشًا جديدة كافية لِقمع هذا الثائر، لكنَّ الأجل كان لهُ بِالمرصاد.

اعتلاؤه مُحمَّد الثاني العرش للمرَّة الأُخرى

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *