الكردينال يوليان سيزاريني، مُحرِّك المُلُوك الأوروپيين، على نقض مُعاهدة الصُلح مع العُثمانيين استغلالًا لاعتزال السُلطان مُراد الثاني الحياة السياسيَّة.
كان الاعتقاد السائد في الدوائر الأوروپيَّة المُعادية لِلعُثمانيين، أنَّ موقف هؤلاء أضحى حرجًا لِلغاية بعد اعتزال مُراد الثاني وتسلُّم ابنه الفتى مُحمَّد زمام الأُمُور، ولا خبرة لهُ في الشُؤون السياسيَّة، وأنَّ دولتهم أضحت مُنهكة، وباتت أطرافها مُعرَّضة لِلاقتطاع من جانب أُمراء الحُدُود، وفي مُقدِّمتهم الأمير القرماني إبراهيم بك بن مُحمَّد الذي أرسل إلى ملك المجر يُحرِّكه على السُلطان والممالك العُثمانيَّة ويحُثُّه على انتهاز الفُرصة بِالإضافة إلى ذلك،
فقد كانت تُوجد آنذاك قُوَّاتٌ أوروپيَّة مُعسكرة في البلقان يُمكن الاستفادة منها، فضلًا عن أنَّ استمرار العمليَّات العسكريَّة يُمكن أن يُعد حافزًا لِمُلُوك أوروپَّا لِتقديم مُساعدات جديدة وجديَّة.
وتدخَّل البابا إيجين الرابع بِنفسه وأخذ يُحرِّض ملك المجر، الذي كان ما يزال حتَّى ذلك الحين مُترددًا في الإخلال بِقسمه الغليظ، على نقض المُعاهدة، فأرسل يقُولُ له: “بِالتَأكِيدِ، إِنَّ النَّصَارَى لَيسُوا مُلزَمِينَ بِالإِيفَاءِ بِوُعُودِهِم مَعَ المُسلِمِين“، وشارك البيزنطيُّون البابويَّة في تحريضها، وقد أملوا في طرد العُثمانيين من أوروپَّا واستعادة أملاكهم السابقة؛
ما أدَّى إلى تنكُّر بعض زُعماء ومُلُوك أوروپَّا لِتلك المُعاهدة التي وقَّعها ڤلاديسلاڤ الثالث، مُقتنعين أنَّ المُعاهدة مع الكُفَّار لا قيمة لها، وأنَّ المصلحة المسيحيَّة العُليا هي التي يجب أن توضع فوق كُل اعتبار.
أدَّت هذه المُعطيات والتدخُّلات لدى الملك المجري إلى تخلِّيه عن المُعاهدة، بعد أن مرَّ عليها خمسون يومًا وتقدَّمت القُوَّات الصليبيَّة، التي يقودها ظاهريًّا ڤلاديسلاڤ الثالث ويُحرِّكُها فعليًّا يُوحنَّا هونياد، باتجاه الأراضي العُثمانيَّة.

العُثمانيُّون يتفقُّدون القتلى في ساحة معركة وارنة، ويقتادون الأسرى. تبدو جُثَّة الملك ڤلاديسلاڤ الثالث طريحة الأرض في وسط الصورة.
كان الخطر أكبر من قُدُرات السُلطان الفتى، وأدرك وُزراؤه وقادته أنَّ المعركة هي معركة مصير، فاتخذوا قرارًا في اجتماعٍ لِمجلس شورى السلطنة أبلغهُ الصدر الأعظم إلى مُحمَّدٍ بن مُراد، ونصُّه:”لَا يُمكِنُنَا الرَّدُ عَلَى مُقَاوَمَةِ العَدُوِّ، اَلَّلَهُمَّ إِلَّا إِذَا اعتَلَى وَالِدُكَ السُّلطَانُ مَكَانَك.
أَرسِلُوا وَالِدَكُم لِيُجَابِهَ العَدُوِّ وَتَمَتَّعُوا بِرَاحَتِكُم. تَعُودُ السَّلطَنَةُ إِلَيكُم بَعدَ إِتمَامِ هَذِهِ المُهِمَّةِ“.
بناءً على هذا، أرسل السُلطان مُحمَّد في دعوة والده، فذهب وفدٌ من الساسة إلى مُراد الثاني، في عزلته في مغنيسية، وطلبوا منه أن يعود إلى الحُكم ويقودهم، إنقاذًا لِلدولةِ من خطرٍ كبيرٍ مُحدقٍ بها.
غير أنَّ مُرادًا – تحاشيًا لِكسر سُلطان ابنه – رفض وأبلغهُ أنَّ الدفاع عن دولته من واجبات ذاته السُلطانيَّة فكتب إليه مُحمَّد ثانيةً بِأن لا بُدَّ من القُدُوم، فقال: “إِن كُنتَ سُلطَانًا فَظَاهِر أَنَّ عَلَيكَ مُحَافَظَةُ البِلَادِ وَالعِبَادِ، وَإِن لَم تَكُن سُلطَانًا فَيَجِب عَلَيكَ طَاعَةُ السُّلطَانِ وَامتِثَالُ أَمرِه“.
أمام هذا الأمر، اضطرَّ مُراد الثاني إلى القُدُوم، فعبر إلى أدرنة وترك ابنه مُحمَّد لِمُحافظتها، وتوجَّه في العسكر إلى قتال الصليبيين، والتقى الجمعان بِخارج مدينة وارنة (ڤارنا) على ساحل بحر البنطس (الأسود) يوم الثُلاثاء 28 رجب 848هـ المُوافق فيه 11 تشرين الثاني (نوڤمبر) 1444م، وسُرعان ما اشتبك القتال بين الطرفين، فقُتل ملك المجر ڤلاديسلاڤ الثالث وتفرَّق الجُندُ بعد ذلك، ولم تُفد شجاعة هونياد شيئًا.
وفي اليوم التالي هاجم العُثمانيُّون مُعسكر الجيش الصليبي واحتلُّوه بعد قتالٍ شديدٍ قُتل فيه الكردينال يوليان سيزاريني، سبب هذه الحرب، فتمَّ لِلمُسلمين فوزٌ مُبين.
وبعد تمام النصر واستخلاص مدينة وارنة، رجع السُلطان مُراد إلى عُزلته مُجددًا تاركًا شُؤون الحُكم لِولده.