أخباردين ودنيا

تنازل السُلطان مُراد عن المُلك وجُلُوس السُلطان مُحمَّد خان الثاني

و.ش.ع

القاهرة_ د. مختار القاضي 

سلطنته الأولى

تنازل السُلطان مُراد عن المُلك وجُلُوس ابنه الفتيّ

خِلال شهر (أبريل) 1440م، هاجم السُلطان مُراد مدينة بلجراد، الموقع الأمامي لِلمجريين، وضرب عليها حصارًا مُركَّزًا بِجيشٍ قوامه 35,000 مُقاتل، مُستغلًا التنازُع على العرش في مملكة المجر، الذي ظهر إلى حيِّز الوُجُود بعد وفاة الملك ألبرت الثاني.

رسمٌ تخيُّليّ لِمُحمَّدٍ الثاني اليافع.

 دام الحصار العُثماني لِلمدينة ستَّة أشهر لم يتمكَّن السُلطان خِلالها من اقتحامها، ولمَّا تيقَّن أنَّ فتحها يحتاج إلى زمانٍ مديد، رفع الحصار عنها وأغار على بلاد الأردل (ترانسلڤانيا) وحاصر مدينة هرمنستاد، وفتح قلعة نوابرده.

أثار هذا الاندفاع العُثماني مخاوف القوى الأوروپيَّة من المد الإسلامي المُتعاظم سنة تلو الأُخرى، فنهضوا لِإيقافه على النحو الذي اتُفق عليه في مجمع فلورنسة قبل نحو سنة، أي عبر إرسال حملةٍ صليبيَّةٍ لِإخراج المُسلمين من الأراضي الأوروپيَّة وتخليص القُسطنطينيَّة من أخطارهم،

 وتولَّى ڤلاديسلاڤ الثالث الذي جلس على عرش المجر وبولونيا قيادة هذه الحملة شكليًّا، إذ أنَّ القائد الفعليّ كان يُوحنَّا هونياد أمير الأردل، وهو قائدٌ شُجاعُ باسلٌ شديد التعصُّب لِلمذهب الكاثوليكي، كان قد أخذ على عاتقه إخراج المُسلمين من البلقان، وجعل هذا هدفه الوحيد في الحياة، ودرس تكتيكات الحرب العُثمانيَّة بِصُورةٍ جيِّدة.

 فأتى هذا القائد الشهير على جناح السُرعة لِلدفاع عن بلاده، وانتصر على العُثمانيين وقتل منهم عشرين ألف نفس (على أنَّ هذا الرقم قد يكون مُبالغًا فيه)، وقتل قائدهم وألزم من بقي منهم بِالرُجُوع خلف نهر الطونة (الدانوب).

ولمَّا بلغ السُلطان مُراد خبر انهزام جُيُوشه أرسل إليهم ثمانين ألف مُقاتل تحت قيادة شهاب الدين شاهين باشا الخادم، فهزمه أيضًا هونياد المجري وأخذه أسيرًا في موقعةٍ هائلةٍ بِالقُرب من بلدةٍ يُقالُ لها “وازاج” سنة 1442م.

 خِلال تلك الفترة كان السُلطان مُراد في الأناضول يُخمدُ عصيانًا قام به أمير القرمان إبراهيم بك بن مُحمَّد، وعندما عاد إلى أدرنة في صيف سنة 1443م، بلغهُ أنَّ الصليبيُّون بدأوا بِغزو الأراضي العُثمانيَّة وأنَّهم يعقدون العزم على المسير إلى العاصمة، وفي الوقت نفسه وصلت الأنباء من أماسية تُفيد بأنَّ وليّ العهد الشاهزاده علاء الدين عليّ قد تُوفي، ممَّا جعل مُحمَّد الثاني خليفة والده على العرش.

 وسار السُلطان مُراد لِقتال الصليبيين، فلقيهم في بلاد الصرب حيثُ تعرَّض لِلهزيمة على يد هونياد في نيش، واقتفى القائد المجري أثر العُثمانيين إلى ما وراء جبال البلقان سنة 1443م، وظهر عليهم في ثلاث وقائع أُخرى.

وأخيرًا أبرم السُلطان مُراد الصُلح مع الصليبيين على أن يتنازل عن سيادته على الأفلاق ويرُدّ إلى قيصر الصرب جُريج برانكوڤيچ مدائن سمندريَّة وآلاجة حصار وأن يُهادن المجر مُدَّة عشر سنوات، وأُمضيت هذه المُعاهدة في 24 صفر 848هـ المُوافق فيه 12 حُزيران (يونيو) 1444م.

رسمٌ لِبلدة مغنيسية حيثُ اعكتف السُلطان مُراد واعتزل الحياة السياسيَّة.

بُعيد إبرامه الصُلح بنحو شهرين، تنازل السُلطان مُراد عن المُلك لِابنه مُحمَّد، ويبدو أنَّهُ شعر بِالتعب، ورُبَّما كانت المُشكلات الداخليَّة والخارجيَّة وموت ابنه علاء الدين عليّ،

الذي كان يُعدُّه لِخلافته، قد تركت لديه شُعُورًا حادًا بِالسَّأم، فرأى أن يعتزل السياسة، وتنازل عن العرش لِابنه الفتى البالغ أربعة عشر عامًا من العُمر،

 إذ أصبح أكبر أولاده الذُكُور وأرشدهم، فأرسل إليه كتابًا يستدعيه إليه، وكان في إقطاعة مغنيسية، فوصل إلى خدمة والده على وجه السُرعة وتسلَّم السلطنة.

ثُمَّ سافر السُلطان مُراد إلى جانب مغنيسية لِلإقامة بعيدًا عن هُمُوم الدُنيا وغُمُومها، وسار معهُ جمعٌ من خواصه، فاعتزل فيها لِلعبادة وانتظم في سلك الدراويش، وبقي في خدمة السُلطان الجديد الصدر الأعظم خليل باشا الجندرلي، وشهاب الدين شاهين باشا الخادم، والوزير الثاني صاروچه باشا، وقاضي العسكر المُلَّا خسرو مُحمَّد أفندي.

 ويُروى أنَّ مُراد الثاني، الذي كان على علاقةٍ وطيدةٍ بالحاج بيرم وليّ صاحب الطريقة البيرميَّة، كان مُقتنعًا بِأنَّ هذا الصوفيّ من أولياء الله الصالحين، وأنَّ من أسباب تنحيه عن العرش، بِالإضافة لِإصابته بِالإرهاق والتعب والسأم ورغبته بِالتفرُّغ لِلعبادة والطاعة، رغبته بِأن يشهد فتح القُسطنطينيَّة، إذ أخبرهُ الحاج بيرم أنَّ شرف هذا الفتح لن يكون من نصيبه، وإنَّما من نصيب ابنه مُحمَّد والشيخ آق شمس الدين، فكان هذا دافعًا إضافيًّا له كي يتخلَّى عن عرشه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: